١٥/٨/٢٠٢٥
ميخائيل عوض
١
صياغة جديدة احتيالية للقبض على روح المقاومة وقتلها، فالسلاح بلا الرجال، والرجال بلا إرادةِ المقاومة وبلا هدفٍ عظيم، لا قيمةَ لهم ولا للسلاح، بل يتحوّل السلاح ورجاله إلى عبءٍ على تنظيمهم أو دولتهم. فماذا هم فاعلون؟ وكيف ينفقون جهدهم ووقتهم؟ ومن يتبرّع لدفع رواتبهم وتأمين عوائلهم وتأمين وصيانة السلاح الذي يُخزَّن، فيصبح فورًا خردةً ومقبرةً لأجياله، التي باتت تتقادم سريعًا جدًّا؟
٢
هكذا تحتال القوى الساعية إلى قتل المقاومة ودفنها بالقوّة أو بالتذاكي والاحتيال. ولأنّها عجزت عن تمرير فكرة تسليم السلاح المستفزّة جدًّا، بدأت تحتال بالترويج لمقولة "تجميد السلاح"، وكأنّه ممكنٌ وضعُ الصواريخ والمسيرات والذخائر في البرّادات لتجميدها على حالها!
إذا جُمِّد السلاح، فما الفائدة منه؟ ولماذا؟ ومتى يمكن فكّ التجميد؟ ومن سيفعلها؟
القصة برمّتها هي المقاومة كخيار، كثقافة، كرؤية، وكفعل.
المقاومات كلّها، في لبنان بعد ١٩٨٢، وفي غزّة واليمن، بدأت شعارًا: "يا قدس إنّا قادمون"، فروحًا، فاقتناعًا، فمشروعًا، فرجالًا أشدّاء، فانتصاراتٍ، فقاعدةٍ اجتماعية تحوّلت من حالة الاستسلام والإحباط واليأس إلى إمضاءِ سلاحٍ عند المقاومة. وصارت القاعدةُ وثقتها بالرجال وسلاحهم هي القوّة المادّية المحرّكة للتطوّرات والأحداث.
٣
جَمَّدَ السوريُّ السلاحَ وحفظه في الأنفاق والمخازن، وبنى الكتل الإسمنتية ومجمّعات الكليات العسكرية والمختبرات، وتكلّف الشعب السوري عشرات مليارات الدولارات، وجنّد مئات آلاف الجنود والضباط، واستهلكت فتوة الشباب وعزيمة الرجال، وتحولوا إلى عالةٍ على الاقتصاد والمجتمع، واعتادوا على البطالة والريوع. وعندما دنت ساعة السلاح والرجال، ولم تُلتقط، دُمِّر كلّ شيء في أمكنته، مع المطارات والمعسكرات والطائرات.
وكذا كان مع سلاح الاتحاد السوفيتي، الذي كان متفوّقًا بأربعة عقود على سلاح أعدائه، وكذلك العراق وليبيا والسودان. فالقائمة لا تنتهي.
تلك حقائق منذ بدء التاريخ البشري؛ فتسليم السلاح أفضل من تجميده، وأقل كلفةً واستنزافًا وإرباكًا.
٤
المسألة هي في المقاومة وخيارها. وبعد أن ثبت من تجربة الأمّة، التي ابتُلِيَت بأنظمة وقيادات سعت إلى التفريط والمساومة، وتجميد وإلقاء السلاح طمعًا بمكاسب، واطمئنانًا لوعود الذئب، فأُكِلَت كالشاة بلا قوّة أو مقاومة. وتجربة السلطة وصولًا لأبو مازن وسلاح ورجال منظمة التحرير والأحزاب طازجة وعيانيّة، ولم تكن أقلَّ قدراتٍ وتضحياتٍ، ورجالها مقاتلون مستبسلون أيضًا، وحققوا انتصاراتٍ في أزمنةٍ إعجازية.
وعندما تخلّت القيادات عن المقاومة وقتلت روحها، تمكّن العدو من فلسطين والقدس والأقصى، وتجري عملية تهويد الضفة وتصفية غزة، لتصفية القضية برمّتها.
٥
خيار التفاوض والتسويات والتطمينات والقرارات الدولية والأوهام، وتجميد وترك السلاح، اختُبِرَ ونتيجته جارية. أمّا خيار المقاومة، فقد حقّق الإنجازات والانتصارات التاريخية، وغيّر في الأزمنة، وجعل من إسرائيل شجرةً يابسةً تتآكل من داخلها، لغياب الجهد والقرار باقتلاعها.
وما حصل للنظام السوري وللمقاومة في لبنان والعراق لم يكن لقوّةٍ عند إسرائيل أو لافتقاد السلاح والرجال، بل لنقصٍ في التخطيط، ولعدم ضبط الحراك، ومعرفة أن الفرصة دنت والثمرة ناضجة لتُقطف، فقُيِّدَت الحرب بتردّد وبطء، وبحساباتٍ وتكتيكات لا تناسبها كحربٍ وجودية معلنة وممارسة من قبل العدو. فصار ما صار، وما كان يجب أن يصير على ذلك النحو.
الخيار واضح، لا التباس فيه؛ فطلب تسليم السلاح أو تجميده إنّما هو طلب قتل روح المقاومة، وإرسال رجالها إلى التقاعد، وغالبًا إلى الاغتيال والتصفيات والسجون. وأيضًا، هذا المصير من حقائق التجارب والأزمنة.
فاسألوا عن ضباط وطيّاري وخبراء صدام حسين ومعمر القذافي والأسد، ورجال منظمة التحرير المقاومين الجادين؛ فقد تمّت تصفيتهم وتشريدهم. وهذا المصير ينتظر رجال وقادة وكوادر المقاومات في غزّة ولبنان والعراق إن سلّموا أو جمّدوا السلاح؛ فتنُتزع منهم روح المقاومة لينالوا عقابًا شديدًا، فعدوّهم مجرمٌ لا يرحم، ولا يأبه لضغوطٍ أو ضماناتٍ أو اتفاقاتٍ أو وعود.
الأمر كلّه لرجال السلاح وقادتهم وما يقرّرون.
لمتابعة كل جديد الاشتراك بقناة الأجمل آت مع ميخائيل عوض على الرابط
https://youtube.com/channel/UCobZkbbxpvRjeIGXATr2biQ?si=XiYQBDb3DjhYvdOK